عندما يدفع الفن ثمن المراهقة السياسية…

ليلى العوني – الأيقونة الثقافية

لما كانت الفنون والثقافة “وسائل ترفيه” كما ورد على لسان أحد مسؤولي الدولة زمن الإخوان، توقعنا أن يكون الأمر مختلفا زمن قيس سعيد لما كنا نجد منه من إهتمام بالسينما والمسرح خصوصا وحضوره عديد العروض وقت كان أستاذا للقانون الدستوري ويساريا مدافعا عن الحقوق والحريات… إلا أن الخيبات في تونس تأبى أن تفارقنا فقد دعا رئيس الجمهورية وزيرة الشؤون الثقافية إلى لقاء أشبه بتوبيخ حول صور وأصداء للسجاد الأحمر في أيام قرطاج السينمائية ملقيا عرض البحر محتوى الدورة وأفلامها وأنشطتها ومختلف فعالياتها.

نحن هنا لا ننكر المهزلة التي حصلت سواء في الإفتتاح أو في الإختتام فقد كان الحفلان فاشلين بكل المقاييس وعلى كل المستويات وتتحمل مسؤولية ذلك مديرة المهرجان سنية الشامخي التي فشلت في إقامة حفل محترم ثم تهرّبت وإستقالت.. لكن ذلك حتما لا يبرر العودة سنوات إلى الوراء بقرار فوقي مترفع ودكتاتوري بكل تحمل الكلمة من معنى، يخص أيام قرطاج السينمائية التي ستعود إلى الإنتظام كل سنتين وهو قرار عف عنه الزمن في كل دول العالم.

قرار مصيري مثل هذا لا يمكن إتخاذه إعتباطا في ردة فعل آنية مضطربة وإنفعالية بل يجب دراسته على كل المستويات إلا لو إعتقد قيس سعيد نفسه أن السينما مجرد “ترفيه” ولا داعي لإقامتها كل سنة! أيضا تجب إستشارة جميع الأطراف المتداخلة في قطاع الثقافة والسينما فلا يمكن إصلاح خطأ بخطأ أكبر وأسوء تأثيرا على مهرجان عريق عربيا وإفريقيا وعالميا في حجم “أيام قرطاج السينمائية” هذا المهرجان المقاوم الذي قدمه للعالم الطاهر شريعة مخالفا بذلك أكبر المهرجانات وأكثرها بهرجا مثل مهرجان كان السينمائي وغيره فقد كان لشريعة رؤية أخرى ومبادئ أخرى تتخذ من الفنون عموما والسينما خصوصا شكلا من أشكال النضال السياسي والإجتماعي راغبا في إعلاء الثقافة والفن الإفريقي… لا يمكن أن ننسى الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان ممثلا مسرحيا بالأساس قبل أن يصبح أول رئيس جمهورية للبلاد التونسية … لا يمكن أن نلقي بكل هذا التاريخ في حاوية الفضلات سيادة الرئيس!

لماذا نرفض هذا القرار؟ ببساطة لأن ذلك سيجعل ركب السينما العالمية يفوتنا ويتسابق صناع ومنتجي ومخرجي الأفلام إلى المشاركة في المهرجانات التي تقام كل سنة بينما لن يصلنا إلا كل ماهو قديم وبالي ويفوّت هذا القرار عنا وهج البدايات والعروض العالمية الأولى التي تميز أي دولة عن أخرى في منافسة عالمية كبرى بين المهرجانات. كذلك فإن إنتعشت السينما في تونس بزيادة عدد الأفلام لا تصل أن نقول أنها أصبحت صناعة.. فإن هذا القرار سيقضي تماما على هذا الحلم ونعود إلى زمن التسعينات لما كانت تونس لا تقدم إلى العالم وإلى الجمهور سوى فيلم أو فيلمين على أقصى تقدير في السنة! وهذا طبعا لن يصب في مصلحة السينما ولا الثقافة ولا الشعارات الفضفاضة الكبرى التي لا نجد لها صوتا ولا حتى صدى على غرار “الحق في الثقافة للجميع”…

شاهد أيضاً

المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون يعود إلى الحضن التونسي

ليلى العوني – الأيقونة الثقافيةأخيرا يعود المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون إلى الحضن التونسي بعد فشل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *