ليلى العوني – الأيقونة الثقافية
عاد البيت معمورا مرة أخرى.. حلم طال انتظاره من مريديه وأبنائه من الأدباء والكتّاب وعشاق الكلم وقول الحرف.. بيت الرواية الذي خفت بريقه لفترة خلناها دهرا.. نراه اليوم مزدانا بتوقيعات الكتب والملتقيات الأدبية وأمسياته الرائقة التي لا تسمع فيها إلا سردا أو نثرا أو قصّة ممّا تشتهي الأرواح والأنفس الحالمة… وقد دفع به مديره الجديد يونس سلطاني دفعا ليعيد له بريقه كأول بيت للرواية وُضع للناس. وقد لمسنا منه ذلك، والحق يقال، الحرص والرغبة في النجاح وإعادة الألق إلى البيت، عندما قادنا حنيننا القديم إلى رحابه أمس الجمعة 6 ديسمبر في ندوة عنوانها “الرواية وفنون الفرجة” بفضاء مكتبة البشير خريف حيث التقى مجموعة من المبدعين يروون لنا تجاربهم في تحويل الرواية من كلمات إلى حركات ودماء…
ترأس اللقاء الكاتب لسعد بن حسين فيما حضر كل من الممثلين والمخرجين والجامعيين سنية زرق العيون، عبد المنعم شويات، عبد الحليم المسعودي، كمال بن وناس، الطاهر بن غديفة وحمادي المزي. وقد شهد اللقاء حضور العديد من الأدباء والنقّاد والصحفيين…
لا شكّ أن الرواية هي منبع كل الفنون الأخرى ومنها نقتبس ما يلفت انتباهنا ويحرّك كوامننا كل حسب احتياجاته النفسية أو خيباته الدفينة التي يريد أن يعبر عنها لكأنها قبس من نور.. إلاّ أننا نجد أنفسنا كذلك أمام مصطلح آخر لم يعرّف بعد بالشكل المناسب ألا وهو تطويع النص السردي “adaptation”حتى يصبح صورة ومشهدا في النهاية والاختلاف هنا يكمن أن عملية التطويع ليس صيدا لفكرة واحدة من بين جميع الأفكار بل هي عملية تحويل لكامل النص حتى يمكن له أن يصبح صوتا وصورة فمسرحية أو فيلما. حول هذه الأفكار دار الجزء الأول من الحوار.
كما تناقش الأستاذة حول مدى جدوى اقتباس السينما والمسرح للروايات فمنهم من أيّد الفكرة على اعتبار المصطلح الفرنسي الأصل “سينما المؤلف” أي أنّ المخرج لا يمكن أن يكون كاتب السيناريو أو النص لأن نقطة قوة المخرج تكمن في المعالجة السينمائية للنص وليس كتابته ومنهم من رفضها مستدلا على أن عملية الاقتباس هي عملية “قتل” لفعل التخييل لدى المشاهد وتثبيت لمعنى واحد في صورة بينما في الرواية كل يرى حسب ذائقته الفنية واحتياجاته النفسية ومدى تدفّق مخيلته لتتكوّن آلاف المعاني والصور في أذهان مختلف القرّاء.
وكان للبعض رأي آخر يعتبر أنّ الأدب والفنّ الآن غير قادرين على استيعاب تعقيدات الواقع حتى صرنا نتحدّث عن واقع ما بعد الحداثة أو واقع موت السرديّات الكبرى أمّا المسرح فهو دائم الحركة لا ينضب ولا يتوقف، يستمد حركته من حركة الحياة نفسها ووجوده قائم على وجود الحياة نفسها واستجابة لهذا الواقع الضاغط استعان المسرح بالسرديّات والعلاقة بينهما هي علاقة عضوية لكنّها غير مباشرة.
مازال الهاجس السياسي يوقظ مضجع المثقف التونسي فالأمسية لم تخلو من الحديث عن الموقف السلبي الذي تتخذه السلطة من المسرح التونسي بعد كبواته العديدة والذي يمكن أن يتمحور في سؤال “ماذا نريد من المسرح التونسي تحديدا؟” عدا أخذ الدعم العمومي كل سنة؟ وماهو المشروع الثقافي الذي نرمي إلى بناءه وماذا نريد أن نبث من قيم في المجتمع عن طريق المسرح؟
