في وداع الفنان الاستثنائي فتحي الهداوي

فاتن بن حسن – الأيقونة الثقافيّة

إنّ للانسان ما ترك من أثر، وأي أثر وإرث تركه الفنان فتحي الهداوي من أين سأبدأ؟ وكيف سأختزل عمر الرجل في بضع كلمات؟ سأحاول أن أستخدم ما تبقى من الذاكرة فقط فالذكرى وحدها دليل حب دفين تظهر في شكل ومضات عند الفراق..

كسب الرجل حب الناس وهذا ليس بالأمر الهين لأنه يُبني لبنة لبنة ..خطوة تلو الأخرى.. ثم إيمان المخرجين بموهبته حتى أنه يُعتبر “جوكر اللعبة” أو “المايسترو” أو “المعلِّم” بلغة الشعب في أي عمل فني سواء كان مسرحيا أو سينمائيا فبداياته بعد المسرح المدرسي مع المخرج حمادي المزي أو في الهواة مع الحبيب شبيل، كانت تجربته مع الفاضل الجعايبي في مسرحيتين “العوادة” و”عرب” وعندما نذكر هذا الأخير بالذات نتأكد أن للهداوي مكانة كبرى منذ بداياته في أواخر الثمانينات.

 رحل فتحي الهداوي عن عمر ناهز 63 سنة (الخميس 12 ديسمبر 2024) بعد مسيرة ذهبية لن تتكرر لأنه رافق جيل الثمانينات والتسعينات في الدراما التلفزيونية من خلال دور “لعفيف” في مسلسل “غادة” من منا لا يتذكر ذلك العاشق الذي عانى ويلات السجن وحافظ على حبه إلى آخر رمق ..من منا لا يتذكر مشهد المقبرة ونواحه على أمه.. من منا لم يبك في ذلك المشهد وحتى عندما نعيد مشاهدته سنبكي مرة أخرى، ثم تتالت الأدوار “محمود” في قمرة سيدي المحروس “رئيف” في صيد الريم أين كرهنا الشخصية رغم حبنا للشخص وغيرها إلى أن قرر مع المخرج الشاب جميل النجار أن يقتحم مغامرة أخرى ويرينا وجها آخر: فتحي الهداوي الكوميدي، فضحكنا ملأ شدقينا في سلسلة “الرئيس” حيث جسد من خلال الكوميديا السوداء يوميات ديكتاتور فصاغ بطريقته الخاصة مواقف غبائه في تعامله مع فريق عمله وأمام الأزمات مع حبه الشديد للغناء بذلك الصوت المجروح…

للرجل صولات وجولات في الدراما السورية فقدم أدوارا في مسلسلات “الحجاج” و”عمر” و”الرسالة الأخيرة” و”هولاكو” إلى جانب كبار المخرجين والفنانين لعل أبرزهم نجدة إسماعيل أنزور وأيمن زيدان والراحلة مي سكاف وغسان مسعود والراحل حاتم علي …والقائمة طويلة جدا.

أما في السينما فعرفاه في فيلم “حلفاوين” للمخرج فريد بوغدير و”صفائح من ذهب” للمخرج النوري بوزيد عام 1986 و”نظرة معينة” لخالد البرصاوي و”المفتاح” لشوقي الماجري و”الخميس عشية” لمحمد دمق ومؤخرا “فرططو ذهب” لعبد الحميد بوشناق كما تعامل مع مخرجين أجانب من فرنسا وإيطاليا، أشهرهم المخرج الفرنسي سارج مواتي والمخرج الإيطالي فرانكو روسي.

ولآخر رمق في حياته لم يرض أن يكون موضع شفقة فتكتم على مرضه إلى أن فارق الحياة واليوم تبكيه تونس بكل من فيها وبكل حرقة لأنه كان يمثل ضمير الشعب وصوته وستتردد في الأرجاء “فلتسقط الديكتاتورية” أو”كان يسألوني تونس شنوة ..نقول هي مشموم” …

نعزي أنفسنا أولا ثم جميع محبيه ..إنا لله وإنا إليه راجعون

شاهد أيضاً

مشاركة تونسية وعودة “شقيف” في مسلسل “سيوف العرب”

الأيقونة الثقافيةيعرض خلال شهر رمضان 2025، مسلسل ”سيوف العرب”، العمل التاريخي الضخم الذي يوثق قصص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *